فصل: التنبيه والإشراف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التنبيه والإشراف **


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين ذكر الغرض من هذا الكتاب قال أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي أما بعد فإنا لما صنفنا كتابنا الأكبر في أخبار الزمان ومن أباده الحدثان من الأمم الماضية والأجيال الحالية والممالك الدائرة وشفعناه بالكتاب الأوسط في معناه ثم قفوناه بكتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر في تحف الأشراف من الملوك وأهل الدرايات ثم أتلينا ذلك بكتاب فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف وأتبعناه بكتاب ذخائر العلوم وما كان في سالف الدهور وأردفناه بكتاب الاستذكار لما جرى في سالف الأعصار ذكرنا في هذه الكتب الأخبار عن بدء العالم والخلق وتفرقهم على الأرض والممالك والبر والبحر والقرون البائدة والأمم الخالية الدائرة الأكابر كالهند والصين والكلدانيين - وهم السريانيون - والعرب والفرس واليونانيين والروم وغيرهم وتاريخ الأزمان الماضية والأجيال الخالية والأنبياء وذكر قصصهم وسير الملوك وسياساتهم ومساكن الأمم وتباينها في عبادتها واختلافها في آرائها وصفة بحار العالم وابتدائها وانتهائها واتصال بعضها ببعض وما لا يتصل منها وما يظهر فيه المد والجزر وما لا يظهر ومقاديرها في الطول والعرض وما يتشعب من كل بحر من الخلجان ويصب إليه من كبار الأنهار وما فيها من الجزائر العظام وما كان من الأرض براً فصار بحراً وبحراً فصار براً على مرور الأزمان وكرور الدهور وما قاله حكماء الأمم في كيفية شبابها وهرمها وعلل جميع ذلك والأنهار الكبار ومبادئها ومصابها ومقادير مسافاتها على وجه الأرض من ابتدائها إلى انتهائها والأخبار عن شكل الأرض وهيئتها وما قالته حكماء الأمم من الفلاسفة وغيرهم في قسمتها والربع المسكون منها وحدبها وأنجادها وأغوارها وتنازع الناس في كيفية ثباتها وتأثيرات الكواكب في سكانها واختلاف صورهم وألوانهم وأخلاقهم‏.‏

ووصف الأقاليم السبعة وأطوالها وعروضها وعامرها وغامرها ومقادير ذلك ومجاري الأفلاك وهيئاتها واختلاف حركاتها وأبعاد الكواكب وجرامها واتصالها وانفصالها وكيفية مسيرها وتنقلها في أفلاكها ومضاداتها إياها في حركاتها ووجوه تأثيراتها في عالم الكون والفساد التي بها قوام الأكوان وهل أفعالها على المماسة أم على المباينة عن إرادة وقصد أم غير ذلك وكيف ذلك وما سببه وهل حركات الأفلاك والنجوم جميعاً طباع أم اختيار وهل للفلك علة طبيعية فاعلة في الأشياء المعلولة التي هو مشتمل عليها ومحيط بها والنواحي والآفاق من الشرق والغرب والشمال والجنوب‏.‏

وما على ظهر الأرض من عجيب البنيان وما قاله الناس في مقدار عمر العالم ومبدئه وغايته ومنتهاه وعلة طول الأعمار وقصرها وآداب الرياسة وضروب أقسام السياسة المدنية الملوكية منها والعامية مما يلزم الملك في سياسة نفسه ورعيته‏.‏

ووجوه أقسام السياسة الديانية وعدد أجزائها ولأية علة لابد للملك من دين كما لابد للدين من ملك‏.‏

ولا قوام لأحدهما إلا بصاحبه ولم وجب ذلك وما سببه وكيف تدخل الآفات على الملك وتزول الدول وتبيد الشرائع والملل والآفات التي تحدث في نفس الملك والدين والآفات الخارجة المعترضة لذلك وتحصين الدين والملك وكيف يعالج كل واحد منهما بصاحبه إذا اعتل من نفسه أو من عارض يعرض له وماهية ذلك العلاج وكيفيته وأمارات إقبال الدول‏.‏

وسياسة البلدان والأديان والجيوش على طبقاتهم ووجوه الحيل والمكايد في الحروب ظاهراً وباطناً وغير ذلك من أخبار العالم وعجائبه وأخبار نبينا صلّى الله عليه وسلّم ومولده‏.‏

وما ظهر في العالم من الآيات والكوائن والأحداث المنذرات بظهوره قبل مولده من أخبار الكهان وغيرهم وما أظهر الله سبحانه على يديه من الدلائل والعلامات وجوامع المعجزات‏.‏

ومنشئه ومبعثه وهجرته ومغازيه وسراياه وسواربه ومناسره إلى وفاته والخلفاء بعده والملوك والغرر من أخبارهم وذكرنا من كان في كل عصر من حملة الأخبار ونقلة السير والآثار وطبقاتهم من عصر الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء الأمصار وغيرهم من ذوي الآراء والنحل والمذاهب والجدل بين فرق أهل الصلاة ومن مات منهم في سنة إلى هذا الوقت المؤرخ‏.‏

وذكرنا في كتاب نظم الأعلام في أصول الأحكام وكتاب نظم الأدلة في أصول الملة وكتاب المسائل والملل‏.‏

في المذاهب والملل تنازع المتفقهين في مقدمات أصول الدين والحوادث التي اختلف فيها آراؤهم وما يذهب إليه من القول بالظاهر وإبطال القياس والرأي والاستحسان في الأحكام إذ كان الله جل وعز قد أكمل الدين وأوضح السبيل وبين للمكلفين ما يتقون في آياته المنزلة وسنن رسوله المفصلة التي زجرهم بها عن التقليد ونهاهم عن تجاوز ما فيها من التحديد وما اتصل بذلك من الكلام في أصول الفتوى والأحكام العقليات منها السمعيات وغير ذلك من فنون العلوم وضروب الأخبار مما لم تأت الترجمة على وصفه ولا انتظمت ذكره‏.‏

رأينا أن نتبع ذلك بكتاب سابع مختصر نترجمه بكتاب التنبيه والإشراف وهو التالي لكتاب الاستذكار لما جرى في سالف الأعصار نودعه لمعا من ذكر الأفلاك وهيئآتها والنجوم وتأثيراتها والعناصر وتراكيبها وكيفية أفعالها والبيان عن قسمة الأزمنة وفصول السنة وما لكل فصل من المنازل والتنازع في المبتدإ به منها‏.‏

والاصطقصات وغير ذلك والرياح ومهابها وأفعالها والأرض وشكلها وما قبل في مقدار مساحتها وعامرها وغامرها والنواحي والآفاق وما يغلب عليها وتأثيراتها في سكانها وما اتصل بذلك وذكر الأقاليم السبعة وقسمتها وحدودها وما قيل في طولها وعرضها وقسمة الأقاليم على الكواكب السبعة - الخمسة والنيرين - ووصف الإقليم الرابع وتفضيله على سائر الأقاليم وما خص به ساكنوه من الفضائل التي باينوا بها سكان غيره منها وما اتصل بذلك من الكلام في عروض البلدان وأطوالها والأهوية وتأثيراتها وغير ذلك وذكر البحار وأعدادها وما قيل في أطوالها وأعراضها واتصالها وانفصالها ومصبات عظام الأنهار إليها وما يحيط بها من الممالك وغير ذلك من أحوالها وذكر الأمم السبع في سالف الأزمان ولغاتهم وآرائهم‏.‏

ومواضع مساكنهم وما بانت به كل أمة من غيرها‏.‏

وما اتصل بذلك ثم نتبع ذلك بتسمية ملوك الفرس الأول والطوائف والساسانية على طبقاتهم وأعدادهم ومقدار ما ملكوا من السنين وملوك اليونانيين وأعدادهم مقدار ملكهم وملوك الروم على طبقاتهم من الحنفاء وهم الصابئون والمتنصرة وعدتهم وجملة ما ملكوا من السنين‏.‏

وما كان من الكوائن والأحداث العظام الديانية والملوكية في أيامهم وصفة بنودهم وحدودها ومقاديرها وما يتصل منها بالخليج وبحري الروم والخزر وما اتصل بذلك من اللمع المنبهة على ما تقدم من تأليفنا فيما سلف من كتبنا وذكر الأفدية بين المسلمين والروم إلى هذا الوقت وتواريخ الأمم وجامع تأريخ العالم والأنبياء والملوك من آدم إلى نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم‏.‏

وحصر ذلك وما اتصل به ومعرفة سني الأمم الشمسية والقمرية وشهورها وكبسها ونسيئها وغير ذلك من أحوالها وما اتصل بذلك من التنبيهات على ما تقدم جمعه وتأليفه وذكر مولد النبي صلّى الله عليه وسلّم ومبعثه وهجرته وعدد غزواته وسراياه وسواربه وكتابه ووفاته والخلفاء بعده والملوك وأخلاقهم وكتابهم ووزرائهم وقضاتهم وحجابهم ونقوش خواتيمهم وما كان من الحوادث العظيمة الديانية والملوكية في أيامهم وحصر تواريخهم إلى وقتنا هذا وهو سنة 345 للهجرة في خلافة المطيع منبهين بذلك على ما قدمنا ذكره من كتبنا وإنما اقتصرنا في كتابنا هذا على هذه الممالك لعظم ملك ملوك الفرس وتقادم أمرهم واتصال ملكهم وما كانوا عليه من حسن السياسة وانتظام التدبير وعمارة البلاد والرأفة بالعباد وانقياد كثير من ملوك العالم إلى طاعتهم وحملهم إليهم الأتاوة والخراج وإنهم ملكوا الإقليم الرابع وهو إقليم بابل أوسط الأرض وأشرف الأقاليم‏.‏

وأن مملكتي اليونانيين والروم تتلوان مملكة فارس في العظم والعز ولما خصوا به من أنواع الحكم والفلسفة والمهن العجيبة والصنائع البديعة ولأن مملكة الروم إلى وقتنا هذا ثابتة الرسوم متسقة التدبير وإن كان اليونانيون قد دخلوا في جملة الروم منذ احتووا على ملكهم كدخول الكلدانيين - وهم السريانيون سكان العراق - في جملة الفرس الأولى لغلبتهم عليهم‏.‏

فأحببنا أن لا نخلي كتابنا هذا من ذكرهم وإن كنا قد ذكرنا سائر الممالك التي على وجه الأرض وما أزيل منها ودثر وما هو باق إلى هذا الوقت وأخبار ملوكهم وسياساتهم وسائر أحوالهم فيما سميناه من كتبنا‏.‏

على أن نعتذر من سهو إن عرض في تصنيفنا مما لا يسلم منه ما لحقته غفلة الإنسانية وسهوة البشرية ثم ما دفعنا إليه من طول الغربة ومن بعد الدار وتواتر الأسفار طوراً مشرقين وطوراً مغربين كما قال أبو تمام خليفة الخضر من يربع على وطن في بلدة فظهور العيس أوطاني بالشأم قومي وبغداد الهوى وأنا بالرقتين وبالفسطاط إخواني وكقوله أيضاً فغربت حتى لم أجد ذكر مشر وشرقت حتى قد نسيت المغاربا خطوبٌ إذا لاقيتهن رددنني جريحاً كأني قد لقيت الكتائبا ذكر الأفلاك وهيئآتها والنجوم وتأثيراتها والعناصر وتراكيبها وكيفية أفعالها فلنبدأ بذكر الفلك الذي نبهنا الله سبحانه عليه وأشار في نص الكتاب إليه لما فيه من عجائب حكمته ولطائف قدرته وخصائص التدبير وبدائع التركيب التي تدل بعجائب نظمها وغرائب تأليفها على وحدانية مبدعها وأزلية منشئها قال الله جل وعز ‏"‏ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكلٌّ في فلك يسبحون ‏"‏ أي في دائرة منها يكونون - إذ اسم الفلك يدل على الاستدارة في لغة العرب والفلك السماء قال الله عز وجل ‏"‏ لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون ‏"‏ قال المسعودي‏:‏ وقد تنازع الناس في الفلك ممن سلف وخلف فقال أفلاطون وثامسطيوس والرواقيون وعدة ممن تقدم عصر أفلاطون وتأخر عنه من الفلاسفة إنه من الطبائع الأربع التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة إلا أن الغالب عليه النارية وليست ناريته محرقة إنما هي مثل النار الغريزية في الأبدان وقال آخرون إنه من النار والهواء والماء دون الأرض وذهب أرسطاطاليس وأكثر الفلاسفة ممن تقدم عصره وتأخر عنه وغيرهم من حكماء الهند والفرس والكلدانيين إلى أنه طبيعة خامسة خارجة عن الطبائع الأربع ليست فيه حرارة ولا برودة ولا رطوبة ولا يبوسة وأنه جسم مدور كري أجوف يدور على محورين وهما القطبان أحدهما رأس السرطان ومنتهى بنات نعش من تلقاء نقطة الجنوب والآخر رأس الجدي وفيه كواكب مثل بنات نعش من تلقاء نقطة الشمال وخط الاستواء في وسط الفلك وهو خط ما بين الشمال والجنوب وأوسع موضع فيه من نقطة المشرق إلى نقطة المغرب وهو منقسم بأربعة أرباع كل ربع منها تسعون درجة على خطين يتقاطعان على مركزه وهو موضع الأرض منه أحد الربعين وهو أحد القطبين نقطة الشمال وبإزائه نقطة الجنوب والربع الثالث نقطة المشرق وبإزائها نقطة المغرب وهو يدور دوراناً طبيعياً دائماً وبدورانه ودوران الكواكب التي فيه تنفعل الكيفيات وانبسطت الأركان الأربعة وهي النار والماء والهواء والأرض فيتصل ركنان منها وهما النار والهواء بالعلو وركنان منها وهما الماء والأرض بالسفل ثم تتحرك هذه الكيفيات بتحرك الجواهر العلوية والأجسام السمائية على حسب مداراتها ومسيرها وحركاتها وتأثيراتها فيتحرك الركنان الأعليان بتحرك الكيفيات والركنان الأسفلان بتحرك الركنين الأعليين وتهب بذلك الرياح الاثنتا عشرة فتنشأ السحائب وينزل القطر ويتصل بذلك الآثار العلوية ويتصل بالآثار العلوية الآثار السفلية الموجودة في الحيوان والنبات والبري والبحري‏.‏

وفي الجواهر والمعادن حتى يكون التدبير في جميع هذه العوالم متسقاً مطرداً متصلاً بعضه ببعض بالفعل كامناً بعضه في بعض بالقوة‏.‏

حتى تظهر آثار الصنعة وأمارات الحكمة ودلائل الربوبية وترتبط المعلولات بعللها وتشهد للصانع بصنعته وبدائع حكمته‏.‏

وجعل عز وجل الفك الأعلى وهو فلك الاستواء وما يشتمل عليه من طبائع التدوير فأولها كرة الأرض يحيط بها فلك القمر ويحيط بفلك القمر فلك عطارد وبفلك عطارد فلك الزهرة وبفلك الزهرة فلك الشمس وبفلك الشمس فلك المريخ وبفلك المريخ فلك المشتري وبفلك المشتري فلك زحل وبفلك زحل فلك الكواكب الثابتة وبفلك الكواكب الثابتة فلك البروج وبفلك البروج فلك الاستواء وهو المحيط بها والمحرك لها‏.‏

ومن ذوي المعرفة بعلم الأفلاك والنجوم من بعد فكل الاستواء وفلك البروج الثابتة فلكاً واحداً لما يرى من تجاذبهما واتفاق أقطارهما ومراكزهما والأرض في وسط الجميع مركز له كالنقطة في وسط الدائرة والفلك متجاف عنها من حيث ما أحاط بها بميل ما نحو وجهها الذي يكون عليها حيثما كانت وهو أعلى الفلك على سمت رأسك فذلك نصف قطر الفلك الأعلى أخذ منه نصف قطر الأرض وهو يدور عليها من إحداهما القطب الشمالي وهو على شمال مستقبل المشرق والثانية القطب الجنوبي وهو على يمين مستدير المغرب ويسميان المحورين تشبيها بقطب الرحى ولهذا الفلك نطاق يفصل كرته في متوسط ما بين قطبيه ويفصل محاذاته كرة الأرض بنصفين‏.‏

وهذا النطاق يسمى فلك معدل النهار لاستواء الليل والنهار فيه ويسمى الفلك المستقيم لاستواء مطالعه ومغاربه واستقامة مدرجه في أرباع الفلك وما بينها على نظام واحد وكل جزء من أجزاء هذا النطاق وإن اتسع فإنه كيفما انحدر في بسيطي الكرة إلى المحورين قل عرضه ودق حتى تجتمع أجزاء الفك كلها من فوق الأرض وتحتها في نقطة المحور‏.‏

ومن كان تحت هذا النطاق فإنه ينظر المحورين يطوفان على أفق المواضع والفلك يدور منتصباً فوق رأسه‏.‏

وأكثر هذه الأفلاك مسيرها من المشرق إلى المغرب موافقة في مسيرها لمسير الفلك الأعلى‏.‏

ومنها ما يكون مسيره موافقاً لمسير الكواكب من المغرب إلى المشرق فما كان من الفلك آخذاً من الشمال إلى الجنوب سمي العرض وما كان آخذاً من المغرب إلى المشرق سمي الطول‏.‏

والأرض من الفلك بمنزلة النقطة من الدائرة بعدها من كل نقطة من النقط الأربع التي ينقسم الفلك عليها بعد واحد ومن مركزها إلى كل نقطة تسعون درجة وقطر الدائرة مائة وثمانون درجة وهي تنقسم في نفسها مثل هذه الأربع نقط من الشمال والجنوب والمشرق والمغرب إلا أنها غير ذات نسبة من الفلك كما أن الفلك لا نسبة له من الدائرة والجرم الذي من نهاية حضيض فلك القمر إلى نهاية العالم في العلو طبيعة خامسة ليست بحارة ولا باردة ولا رطبة ولا يابسة ولا مركبة من شيء من هذه الطبائع الأربع‏.‏

وهذا الجسم هو الجسم الفلكي ونهايته مما يلينا أعني كصورة باطن كرة والعناصر أربعةٌ نار وهواء وماء وأرض فاثنان من هذه العناصر حاران هما النار والهواء وهما يتحركان بطبعهما صعداً إلى أن أسبقهما إلى العلو النار فهي طافية على الهواء والنار يابسة والهواء رطب واثنان باردان وهما الماء والأرض وهما يتحركان بطبعهما سفلاً عند حركتهما إلا أن أسبقهما إلى السفل الأرض والأرض يابسة‏.‏

والماء رطب‏.‏

فقد حصل بما ذكرنا أن الحرارة تفعل الحركة صعداً وأن البرد يفعل الحركة سفلا وأن اليبس يفعل السبق إلى الموضع الأخص بكر واحد منهما وأن الرطوبة تفعل الثقل في الحركة فما كانت حركته صعداً سموه خفيفاً وما كانت حركته سفلاً سموه ثقيلاً‏.‏

وأنه لا فراغ في جرم العالم وأن الأجسام إذا حميت احتاجت إلى مواضع أوسع من المواضع التي كانت فيها فما تحدثه الحرارة فيها من تباعد نهاياتها عن مركزها وأنها إذا بردت صارت بضد ذلك لأن البرد يفعل تقارب نهايات الأجسام من مركزها فتحتاج إلى مواضع أصغر من مواضعها وأن الحرارة والبرودة تتبادل المواضع فإذا كان ظهر الأرض حاراً كان باطنها بارداً على ما تكون عليه السراديب وغيرها من أعماق الأرض وأعوارها في نهار الصيف من البرد وإذا كان ظاهرها بارداً كان باطنها حاراً على ما عليه السراديب وغيرها في ليالي الشتاء وأن الحرارة ترفع من كل جسم رطب لطيفه ولا أولا حتى تجف أرضيته فيتحجر أو تفنى جملته وأن الشمس إذا كان مسيرها في الميل الشمالي عن معدل النهار حمي الهواء في ناحية الشمال وبرد الهواء الجنوبي‏:‏ فيجب من ذلك أن ينقبض الهواء الجنوبي ويحتاج إلى موضع أصغر ويتسع الهواء الشمالي ويحتاج إلى موضع أوسع إذ لا فراغ في العالم فبالواجب أن يكون أكثر رياح الصيف عند من هو في ناحية الشمال شمالية لأن الهواء من عندهم يتحرك إلى ناحية الجنوب إذ ليس الريح شيئاً غير حركة الهواء وتموجه وكذلك يجب أن يكون أكثر رياح الشتاء جنوبية لتحرك الهواء إلى ناحية الشمال لمسير الشمس في الشتاء في الميل الجنوبي وما أبين للحس من مسير الشمس في الشتاء في الجنوب وفي الصيف في الشمال لما نراه في الشتاء من طول ظلال المظلات وبعد جرم الشمس في سمت رءوسنا من خط نصف النهار قال المسعودي‏:‏ وفيما ذكرنا من قسمة الأفلاك وتراكبها وما يلينا من الكواكب - النيرين والخمسة - تنازع بين الأسلاف والأخلاف‏.‏

من ذلك ما ذكره أبطلميوس القلوذي في كتاب المجسطي وفي كتابه في الهيئة أنه لم يظهر له أن الزهرة وعطارد فوق الشمس أو دونها‏.‏

وحكى يحيى النحوي وهو المعروف بالحريص الاسكندراني في كتابه الذي دل فيه على أن العالم محدث ونقضه لكتاب برقلس في قدمه ورده على أفلاطون وأرسطاطاليس وأفلوطرخس وغيرهم من القائلين بقدمه أن أفلاطون كان يزعم أن فلك القمر أدنى الأفلاك إلينا وفلك الشمس يليه ثم فلك عطارد ثم فلك الزهرة ثم كذلك على ما رتبها الباقون‏.‏

وقد ذكرنا فيما سلف من كتبنا السالفة تنازع الفلاسفة وغيرهم من حكماء الأمم في هيئة الأفلاك وتراكيبها والنجوم وتأثيراتها في هذا العالم الأرضي وما يمين العالم وما شماله وما خلفه وأمامه وتحته وفوقه‏.‏

وما ذكره أرسطاطاليس في المقالة الثانية من كتاب السماء والعالم عن شيعة فيثاغورث في ذلك وما ذهب إليه من أن للسماء يميناً وشمالاً وأماماً وخلفاً وفوقاً وأسفل‏.‏

فيمنة السماء الجهة الشرقية ويسرتها المغربية وأعلاها القطب الجنوبي وهو فوق القطب قال المسعودي‏:‏ وأكثر من نشاهده من فلكية زماننا ومنجمي عصرنا مقتصرون على معرفة الأحكام - تاركون للنظر في علم الهيئة ذاهبون عنها - وصناعة التنجيم التي هي جزء من أجزاء الرياضات وتسمى باليونانية الاصطرونوميا تنقسم قسمة أولية على قسمين إحدهما العلم بهيئة الأفلاك وتراكيبها ونصبها وتأأليفها والثاني العلم بما يتأثر عن الفلك فليس العلم الثاني وهو العلم بتأثيرات الفلك وما يتوجب من الأحكام بمستغن عن العلم الأول الذي هو علم الهيئة إذ التأثيرات واقعة بالحركات وتبدل الأحوال وإذا وقع الجهل بالحركات وقع الجهل بالتأثيرات فإذ ذكرنا جملاً وجوامع من علوم هيئة الأفلاك والنجوم فلنذكر الآن الكلام في جمل من أقسام الزمان وفصوله والسنين والشهور والأيام وطباعها والاصطقصات ومرور الشمس في فلكها وقطعها لبروجها وما تحدثه في كل فصل وما لحق بذلك‏.‏

ذكر البيان عن قسمة الأزمنة وفصول السنة وما لكل فصل من المنازل والتنازع في المبتدأ به منها والاصطقصات وما اتصل بذلك الأزمنة أربعة‏:‏ الربيع والصيف والخريف والشتاء فالزمان الأول الربيع وهو طبيعة الدم حار رطب مدته ثلاثة وتسعون يوماً وثلاث وعشرون ساعة وربع ساعة وذلك من عشر تبقى من آذار إلى ثلاثة وعشرين يوماً تخلو من حزيران وهو من نزول الشمس أول دقيقة من الحمل وهو الاستواء الربيعي إلى دخولها أول دقيقة من السرطان وهو المنقلب الصيفي والزمان الثاني‏:‏ الصيف هو حار يابس سلطانه المرة الصفراء مدته اثنان وتسعون يوماً وثلاث وعشرون ساعة وثلث ساعة وذلك من ثلاثة وعشرين يوماً تمضي من حزيران إلى أربعة وعشرين تمضي من أيلول وهو من دخول الشمس أول دقيقة من السرطان إلى دخولها أول دقيقة من الميزان والزمان الثالث‏:‏ الخريف وهو بارد يابس سلطانه المرة السوداء مدته ثمانية وثمانون يوماً وسبع عشرة ساعة وثلث خمس ساعة‏.‏

وذلك من أربعة وعشرين يوماً تمضي من أيلول إلى اثنين وعشرين يوماً تخلو من كانون الأول وذلك من نزول الشمس أول دقيقة من الميزان وهو الاستواء الخريفي إلى نزولها أول دقيقة من الجدي وهو المنقلب الشتوي والزمان الرابع‏:‏ الشتاء وهو بارد رطب سلطانه البلغم مدته تسعة وثمانون يوماً وأربع عشرة ساعة من تسع تبقى من كانون الأول إلى أحد وعشرين يوماً تخلو من آذار وذلك من دخول فانقسام فصول السنة بالأزمان الأربعة إنما هو بحركة الشمس في الجملة قال المسعودي‏:‏ فقد تبين بما ذكرنا أن مدة زمان الربيع مسير الشمس في ثلاثة أبراج وهي الحمل والثور والجوزاء‏.‏

ومدة زمان الصيف مسير الشمس في ثلاثة أبراج هي السرطان والأسد والسنبلة ومدة زمان الخريف مسير الشمس في ثلاثة أبراج هي الميزان والعقرب والقوس ومدة زمان الشتاء مسير الشمس في ثلاثة أبراج وهي الجدي والدلو والحوت فما أعجب وأتقن اشتباك أمر العالم بعضه ببعض ونظمه إنا إذا خرجنا من ربع الصيف إلى ربع الخريف فإنا نخرج من ربع حار يابس إلى ربع بارد يابس فاختلف الربعان في الحر والبرد واتفقا في اليبس‏.‏

وإذا خرجنا من ربع الخريف إلى ربع الشتاء خرجنا من ربع بارد يابس إلى ربع بارد رطب فاختلفا في اليبس واتفقا في البرد‏.‏

وإذا خرجنا من ربع الشتاء إلى ربع الربيع خرجنا من ربع بارد رطب إلى ربع حار رطب فاختلفا في الحر واتفقا في الرطوبة فقد تبين أنا لم نخرج من ربع حار رطب إلى ربع بارد يابس ولا من ربع بارد رطب إلى ربع حار يابس فتأمل حكمة البارئ جل وعز في نظمه الاستقصات الأربعة في العالم السفلي أعني الأرض والماء والهواء والنار فإنك تجدها على هذا الترتيب مؤلفة تجد الأرض وهي باردة يابسة ثم الماء وهو بارد رطب ثم الهواء وهو حار رطب ثم النار وهي حارة يابسة فالماء الذي يلي الأرض يوافقها في البرودة ويختلفان في الرطوبة واليبس والهواء الذي يلي الماء يوافقه في الرطوبة يختلفان في الحر والبرد والنار التي تلي الهواء توافقه في الحر ويختلفان في اليبس والرطوبة وكذلك أيضاً الزمان فإنه مقسوم بأربعة أقسام فقسم ربيعي دموي هوائي وقسم صيفي صفراوي ناري وقسم خريفي سوداوي أرضي وقسم شتائي مائي فسبحان من دبر الأمور بحكمته وأتقنها بقدرته فلا يوجد فيها خلل ولا يبين فيها زلل‏.‏

إذ كان الإهمال لا يأتي بالصواب والتضاد لا يأتي بالنظام‏.‏

وقد شبه أبطلميوس فصل الربيع بفصل الطفولية وفصل الصيف بالشباب والخريف بالكهولة والشتاء بالشيخوخة وقد تنازع من تقدم وتأخر من حكماء الأمم وفلاسفتهم في المبتدإ به من فصول السنة ومداخلها وأوائلها ومددها فمنهم من اختار تقديم الفصل الربيعي وصيره أول السنة لأنه الوقت الذي يبتدئ النهار فيه بالزيادة وأنه مع ذلك رطب والرطوبة ولية بأن تكون ابتداء الأشياء الكائنة ومنهم من اختار تقديم الانقلاب الصيفي لأنه الوقت الذي فيه كمال طول النهار وأن مدة النيل ومنهم من اختار تقديم الاعتدال الخريفي لأن جميع الثمار فيه تستكمل والبذور فيه تبذر وإنما سمي الخريف لأن الثمار تخترف فيه أي تجتنى والعرب تسميه الوسمي بالمطر الذي يكون فيه وذلك أن أول المطر يقع على الأرض وهي بعيدة العهد بالرطوبة وقد يبست بالصيف فتسميه بهذا الاسم لأنه يسم الأرض وهم يبتدئون من الأزمان بهذا الفصل لأن المطر الذي به عيشهم فيه يبتدئ ومنهم من اختار تقديم الانقلاب الشتوي لأن النهار فيه يبتدئ باسترداد ما نقص منه والازدياد في طوله وقد ذكر ذلك أبطلميوس القلوذي في كتابه المعروف بالأربع مقالات‏.‏

وفي كتابه في الأنواء الذي ذكر فيه أحوال أيام السنة كلها وما يحدث فيها من طلوع الكواكب وغروبها فإذ ذكرنا الأخبار عن قسمة الأزمنة وفصول السنة وما اتصل بذلك فلنذكر الرياح ومهابها وما لحق بذلك ذكر الرياح الأربع ومهابها وأفعالها وتأثيراتها وما اتصل بذلك من تقريظ مصر والتنبيه على فضلها وما شرفت به على غيرها تنازع الناس في الرياح الأربع ومهابها وطباعها‏:‏ فقال فريق منهم الرياح أربع شمال وجنوب وصبا ودبور الصبا من المشرق والدبور من المغرب والشمال من تحت جدي الفرقدين والجنوب من تحت جدي سهيل فالشمال باردة يابسة وهي ما هب من ناحية الجربي وهو الشمال وأشكالها من البروج والكواكب والأمهات وما يشاكل ذلك ويضاف إلى البرد واليبس والجنوب حارة رطبة وهي التي تهب من القبلة وأشكالها كما وصفت مما يضاف إلى الحرارة والرطوبة والدبور باردة رطبة وهي التي تهب من المغرب وكذلك أشكالها والصبا حارة يابسة وهي التي تهب من المشرق وأشكالها مما هو مضاف إلى الحرارة واليبوسة قال المسعودي‏:‏ وذهب فريق آخر من حكماء الأمم من العرب وغيرهم إلى أن الصبا هي القبول وهي ما هب من مطلع الشمس والدبور التي تهب من المغرب من دبر من استقبل المشرق فلذلك سميت الدبور والشمال التي تهب عن شمالك إذا استقبلت المشرق والجنوب التي تهب عن يمينك إذا استقبلت المشرق وقد ذكرت العرب ذلك في أشعارها قال أبو صخر الهذلي إذا قلت هذا حين أسلو يهيجني نسيم الصبا من حيث يطلع الفجر وقال هدبة العذري وهو يومئذ بالمدينة مسجوناً ألا ليت الرياح مسخرات بحاجتنا تباكر أو تؤوب وقال آخر أتاني نسيم من صبا بتحية فحملت مثليها نسيم دبور قال المسعودي‏:‏ والرياح محدودة بحسب الآفاق تكون الآفاق اثني عشرة أفقاً والرياح كذلك فالشمال بالحقيقة هي التي تجيء من القطب الظاهر والجنوب من القطب الخفي والصبا من مشرق الاعتدال والدبور من مغرب الاعتدال إلا أن الناس لما لم يبن لهم في رأى العين تحديد هذه نسبوا كل يرح تأتي من ناحية المشرق سواء كان من مشرق الاعتدال أو من مشرق الصيفي أو الشتوي أو ما بينهما بعد أن تكون من المشرق إلى الصبا وكذلك فعلوا في الدبور واحتذوا ذلك في الشمال‏.‏

فسموا كل ريح تأتي من جانب القطب الظاهر وما يليه من جانبيه الشمال وكذلك فعلوا بالجنوب أيضاً فأما الريح التي تسمي ببلاد مصر المريسية مضافة إلى بلاد مريس من أوائل أرض النوبة في أعالي النيل وهو صعيد مصر فهي باردة تقطع الغيوم وتصفي الهواء وتقوي حرارة الأبدان وما يهب من أسفل النيل من الريح ويسمي أسفل الأرض فهي شمال وتفعل أضداد هذه الأفعال من تختير الأبدان وأهل مصر يسمونها البحرية وتداومها في الصيف يطيب هواءهم ويبرد ماءهم في الليل والنهار فقد تفعل ذلك الريح الغربية في هذا الفصل إلا أن الأغلب في ذلك الشمال ويقع الوباء إذا دامت المريسية بمصر كما يقع الوباء بالعراق إذا دامت الريح في أيام البوارح والشمال عندنا ببغداد تهب من أعالي دجلة مما بلى سر من رأى وتكريت وبلاد الموصل فتقطع السحاب وأيام هبوب المريسية بمصر مقابلة لأيام البوارح ببغداد لأن المريسية تهب بمصر في كانون الأول وهو كيهك بالقبطية والبوارح بالعراق تهب في حزيران والجنوب ببغداد تهب من أسفل دجلة مما يلي بلاد واسط والبصرة فتثور دجلة وتكثر الغيوم والأمطار والبوارح تدوم أربعين يوماً والمريسية أربعين الهرمان العظيمان اللذان في الجانب الغربي من فسطاط مصرن وهما من عجائب بنيان العالم كل واحد منهما أربعمائة ذراع في سمك مثل ذلك مبنيان بالحجر العظيم على الرياح الأربع كل ركن من أركانهما يقابل ريحاً منها فأعظمها فيهما تأثيراً الجنوب وهي المريسي بتشقيقها الركن المقابل لها منهما وأحد هذين الهرمين قبر أغاثديمون والآخر قبل هرمس وبينهما نحو من ألف سنة - أغاديمون المنقدم - وكان سكان مصر وهم الأقباط يعتقدون نبوتهما قبل ظهور النصرانية فيهم على ما يوجبه رأي الصابئين في النبوات لا على طريق الوحي بل هم عندهم نفوس طاهرة صفت وتهذبت من أدناس هذا العالم فاتحدت بهم مواد علوية فأخبروا عن الكائنات قبل كونها وعن سرائر العالم وغير ذلك مما يطول وصفه ولا تحتمل كثير من النفوس شرحه وفي العرب من اليمانية من يرى أنهما قبر شداد بن عاد وغيره من ملوكهم السالفة الذين غلبوا على بلاد مصر في قديم الدهر وهم العرب العاربة من العماليق وغيرهم وقد أتينا في كتاب فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف على أخبار سائر أهرام مصر وهي عند من ذكرنا من الصابئين قبور أجساد طاهرة وأخبار البرابي التي بسائر بلاد مصر وهي بيوت عبادتهم الكواكب السبعة النيرين والخمسة وغيرها من الجواهر لعقلية والأجسام السمائية التي هي وسائط بين العلة الأولى وبين الخلق وغير ذلك من أخبار مصر وعجائبها وما خصت به من الفضائل التي لا يشرك أهلها فيها غيرهم من أهل البلدان وهي محدودة على تخوم أفريقية وأرض السودان وبحر الحجاز وبحر الشام وهي البرزخ بين البحرين المذكورين في القرآن لأن في الفرما التي على ساحل بحر الروم إلى القلزم التي هي ساحل بحر الصين مسيرة ليلة يحمل إليها من جميع الممالك المحيطة بهذين البحرين من أنواع الأمتعة والطرائف والتحف من الطيب والأفاويه والعقاقير والجوهر والرقيق وغير ذلك من صنوف المآكل والمشارب والملابس فجميع البلدان تحمل إليها وتفرغ فيها ونيلها العجيب أمره الشريف قدره يمد إذا حسرت مياه الأمطار ويحسر إذا مدت يأتيها في وقت الحاجة إلى منفعته فيبدأ مخضراً ثم محمراً ثم كدراً ثم يتدافع بأمواجه ويترامى بسيوله فتكون زيادته في اليوم الإصبع والإصبعين وأكثر فإذا تناهى مدة يغشى الأرض وصارت القرى كالنجوم فوق الروابي والتلال والمراكب تجري بأهلها في حاجاتهم من بعض إلى بعض قد أعدوا قبل ذلك من أقواتهم وعلوفة حيوانهم ما يكفيهم إلى حسوره عنهم وإبان زراعتهم فدهرها من أربع صفات فضة بيضاء أوأو مسكة سوداء أو زبرجدة خضراء أو ذهبة صفراء وذلك أن نيلها يطبقها كأنها فضة بيضاء ثم ينضب عنها فتصير مسكة سوداء ثم تزدرع فيصير زرعها زبرجدة خضراء ثم يستحصد زرعها ويصفر فتصير ذهبة صفراء وكورها نيف وثمانون كورة ليس منها كورة إلا وفيها طريفة أو عجيبة لا تكون في غيرها تنسب إلى تلك الكورة وتعرف بها لكل كورة منها مدينة وقد ورد التنزيل بذلك بقوله عز وجل عند ذكره قصة موسى وفرعون ‏"‏ أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين ‏"‏ لا مدينة فيها إلا وفيها عجائب البنيان بالصخور والمرمر والبلاط وعمد الرخام التي لا يوجد مثلها في غيرها من البلدان تؤتى هذه المدن والكور كلها في الماء ويحمل ما يكون بها من الطعام والأمتعة إلى فسطاطها تحمل السفينة الواحدة حمل مائة بعير وأقل وأكثر وهي حجازية شأمية جبلية أما صعيدها وهو أعلاها فأرض حجازية حرها كحر الحجاز تنبت أنواع النخيل الكبير والأراك والدوم والقرظ والهليلج والفلفل والخيار شنبر وأما أسفلها فشأمي يمطر وينبت ثمار الشأم من الكروم واللوز والجوز وسائر الفواكه والبقول والرياحين وأما ناحية الإسكندرية ولوبية والمراقية فبراري وجبال وغياض وزيتون وكروم جبلية بحرية بلاد عسل ولبن ويذكرها أهلها أنهم أكثر الناس قنداً وشهداً وعبداً ونقداً وصوفاً وبغالاً وحميراً وخيلاً عناقاً ونبيذ العسل الذي لا يفي به شراب ودقّ تنّيس ودمياط الذي لا يضاهيه دق ومعدن التبر والزمرد الثمين الذي لا يوجد إلا بها والقراطيس ودهن البلسان وزيت الفجل والقمح اليوسفي وهو أعظم القمح حباً وأطوله شكلاً وأثقله وزناً وطرز البهنسا وأسيوط وأخميم ومن نواحي معادنها تحمل الزرافة والكركدن وعناق الأرض وأن وفاء خراجها ست عشرة ذراعاً فإن زاد في النيل ذراعاً زاد في الخراج مائة ألف دينار بما يروى من الأعالي فإن زاد ذراعاً أخرى نقص من الخراج مثلها لما يستبحر من البطون والأسافل والمعمول عليه في وقتنا هذا وهو سنة 345 أنه إن زاد على الست عشرة ذراعاً أو نقص عنها نقص من خراج السلطان قالوا وجميع البلدان في سائر النواحي والآفاق إنما تعيش بالأمطار وتهلك بإبطائها عنها ومصر مستغنية عن المطر غير مرتاحة ولا محتاجة إليه وسائر أنواع الفواكه والثمار وكثير من الحيوان والألبان لها في جميع البلاد أزمنة وأوقات لا توجد الا فيها ولا تكون إلا معها وذلك بمصر فإذ قد ذكرنا الرياح ومهابها وما اتصل بذلك لنذكر الأرض وشكلها ومساحتها والنواحي والآفاق وغير ذلك ذكر الأرض وشكلها وما قيل في مقدار مساحتها وعامرها وغامرها والنواحي والآفاق وما يغلب عليها وتأثيرها في سكانها وما اتصل بذلك قسم الله تبارك وتعالى الأرض قسمين مشرقاً ومغرباً فصار المشرق والتيمن وهو الجنوب جوهراً واحداً لغلبة الحرارة عليهما وصارت جهة المغرب والجربي وهو الشمال جوهراً واحداً لغلبة البرودة عليهما وشدتها فيهما وذلك لبعد الشمس من ناحية الجربي لأن المحور على تلك الناحية وهي أشدهما ارتفاعاً فمن أجل ذلك صار الجربي بارداً رطباً وصار المغرب أقل برداً من الجربي وأكثر يبساً لانحطاط الفلك هناك وهاتان الجهتان المشرق والتيمن بخلاف ذلك لدنو الشمس منهما والعالم أربعة أرباع فالربع الشرقي وهو ما تسافل عن خط الجنوب والشمال إلى المشرق فهو ربع مذكر يدل على طول الأعمار وطول مدد الملك والتذكير وعزة الأنفس وقلة كتمان السر وإظهار الأمور والمباهاة بها وما لحق بذلك وذلك لطباع الشمس وعلمهم الأخبار والتواريخ والسير والسياسات والنجوم وأما أهل الربع الغربي فإن الغالب عليه التأنيث إلا ما استولت عليه الكواكب المذكرة كما يغلب التذكير على المشرق إلا ما غلبته عليه الكواكب المؤنثة وأهله أهل كتمان للسر وتدين وتأله وكثرة انقياد إلى الآراء والنحل وما لحق بهذه المعاني إذ كان من قسم القمر وأما أهل الربع الشمالي وهم الذين بعدت الشمس عن سمتهم من الواغلين في الشمال كالصقالبة والإفرنجة ومن جاورهم من الأمم فإن سلطان الشمس ضعف عندهم لبعدهم عنها فغلب على نواحيهم البرد والرطوبة وتواترت الثلوج عندهم والجليد فقل مزاج الحرارة فيهم فعظمت أجسامهم وجفت طبائعهم وتوعرت أخلاقهم وتبلدت أفهامهم وثقلت ألسنتهم وابيضت ألوانهم حتى أفرطت فخرجت من البياض إلى الزرقة ورقت جلودهم وغلظت لحومهم وازرقت أعينهم أيضاً فلم تخرج من طبع ألوانهم وسبطت شعورهم وصارت صهباً لغلبة البخار الرطب ولم يكن في مذاهبهم متانة‏.‏

وذلك لطباع البرد وعدم الحرارة ومن كان منهم أوغل في الشمال فالغالب عليه الغباوة والجفاء والبهايمة وتزايد ذلك فيهم في الأبعد فالأبعد إلى الشمال وكذلك من كان من الترك واغلاً في الشمال فلبعدهم من مدار الشمس في حال طلوعها وغروبها كثرت الثلوج فيهم وغلبت البرودة والرطوبة على مساكنهم فاسترخت أجسامهم وغلظت ولانت فقارات ظهورهم وخرز أعناقهم حتى تأتى لهم الرمي بالنشاب في كرهم وفرهم وغارت مفاصلهم لكثرة لحومهم فاستدارت وجوههم وصغرت أعينهم لاجتماع الحرارة في الوجه حين تمكنت البرودة من أجسادهم إذ كان المزاج البارد يولد دماً كثيراً واحمرت ألوانهم إذ كان من شأن البرودة جمع الحرارة وإظهارها وأما من كان خارجاً عن هذا العرض إلى نيف وستين ميلاً يأجوج ومأجوج وهم في الإقليم السادس فإنهم في عداد البهائم وأما أهل الربع الجنوبي كالزنج وسائر الأحابش والذين كانوا تحت خط الاستواء وتحت مسامتة الشمس فإنهم بخلاف تلك الحال من التهاب الحرارة وقلة الرطوبة فاسودت ألوانهم واحمرت أعينهم وتوحشت نفوسهم وذلك لالتهاب هوائهم وإفراط الأرحام في نضجهم حتى احترقت ألوانهم وتفلفلت شعورهم لغلبة البخار الحار اليابس وكذلك الشعور السبطة إذا قربت من حرارة النار دخلها الانقباض ثم الانضمام ثم الانعقاد على قدر قربها من الحرارة وبعدها عنها والأرض قسمان على ما قدمنا أحدهما مسكون والآخر غير مسكون والعامر المسكون منهما على أقسام أحدها مفرط الحر وهو ما كان من جهة الجنوب لأن الشمس تقرب منه فيلتهب هواؤه والآخر الشمال وهو مفرط البرد لبعد الشمس عنه وأما المشرق والمغرب فمعتدلان وإن كان فضل المشرق وأظهر واعتداله أشهر وأما الذي ليس بمسكون فعلى قسمين أيضاً إما أن يفرط فيه البرد ببعد الشمس عنه أو يفرط فيه الحر لقربها منه فلا يتركب هناك حيوان ولا ينبت نبات فالموضع الذي يكون بعده في الشمال عن خط معدل النهار وستاً وستين درجة لا يمكن أن يكون فيه نشوء لإفراط البرد عليه لبعد الشمس عنه وإن ما كان عرضه ستة وستين جزء وتسع دقائق تكون السنة فيه يوماً وليلة ستة أشهر نهاراً لا ليل فيه وستة أشهر ليل لا نهار فيه يبطل نهاره في الشتاء وليله في الصيف والموضع الذي بعده في الجنوب عن خط معدل النهار تسع عشرة درجة لا يمكن أيضاً أن يكون فيه نشوء لإفراط الحر عليه لقرب الشمس منه قال المسعودي فأما أبطلميوس فإن أقصى ما وجد عنده من العمارة في جهة الشمال الجزيرة المعروفة بثولي في أقصى بحر المغرب من الجهة الشمالية وأن عرضها من معدل النهار في الشمال ثلاثة وستون جزءاً وحكاه أيضاً عن مارينوس فيما ذهب إليه في حدود المعمور من الأرض وذهب أبطلميوس إلى أن نهاية العمارة في جهة الجنوبي تحت الموازي الذي بعده من معدل النهار ستة عشر جزءاً وخمس وثلاثون دقيقة وربع وسدس وذهب قوم إلى أن الموضع الذي لا يمكن أن يكون فيه عمارة عرضه في الجنوب أحد وعشرون جزءاً وخمس وثلاثون دقيقة وإلى هذا ذهب يعقوب بن إسحاق الكندي في كتابه في رسم المعمور من الأرض‏.‏

وسواء قيل عرض الموضع أو قيل بعده عن خط الاستواء أو قيل ارتفاع القطب عليه فمقدار نهاية العمارة في الشمال إلى نهايتها في الجنوب ثمانون جزءاً يكون ذلك عند هؤلاء من الأميال خمسة آلاف ميل وأقل من أربعمائة ميل‏.‏

وأقصى العمران في المشرق أقصى حدود بلاد الصين والسيلي إلى أن ينتهي ذلك إلى ردم يأجوج ومأجوج الذي بناه الإسكندر دافعاً ليأجوج ومأجوج عن الفساد في الأرض والجبل الذي وراءه ووقع في فجة الردم ومنه كان مخرجهم بدؤه خارج العمران في الإقليم السابع طرف مبدئه مستقبل المشرق ثم ينعطف إلى ناحية الجنوب ويستقيم ممره طولاً إلى أن ينتهي إلى بحر أوقيانس المظلم المحيط فيتصل به وأقصى عمران المغرب ينتهي إلى بحر أوقيانس المحيط أيضاً وكذلك ينتهي أقصى عمران الشمال إلى هذا البحر أيضاً وأقصى عمران الجنوب ينتهي إلى خط الاستواء الذي يكون الليل والنهار فيه سواء أبداً وجزيرة سر نديب من البحر الصيني على هذا الخط أيضاً‏.‏

قال المسعودي وذكر من عني بمساحة الأرض وشكلها أن تدويرها يكون بالتقريب أربعة وعشرين ألف ميل وذلك تدويرها مع المياه والبحار فإن المياه مستديرة مع الأرض وحدّهما واحد فكلما نقص من استدارة الأرض وطولها وعرضها شيء تم باستدارة الماء وطوله وعرضه وذلك أنهم نظروا إلى مدينتين في خط واحد أحداهما أقل عرضاً من الأخرى وهما الكوفة ومدينة السلام فأخذوا عرضيهما فنقصوا الأقل من الأكثر ثم قسموا ما بقي على عدد الأميال التي بينهما فكان نصيب الدرجة مما يحاذيهما من أجزاء الأرض المستديرة ستة وستين ميلاً وثلثي ميل على ما ذكر أبطلميوس فإذا ضربوا ذلك في جميع درج الفلك التي هي ثلثمائة وستون درجة كان ذلك أربعة وعشرين ألف ميل وكان قطرها الذي هو طولها وعرضها وغلظها سبعة آلاف ميل وستمائة وسبعة وستين ميلاً والميل أربعة آلاف ذراع بالسواء وهو الذراع الذي وضعه المأمون لذرع الثياب ومساحة البناء وقسمة المنازل والذراع أربع وعشرون إصبعاً والإصبع ست شعيرات مضموم بعضها إلى بعض والفرسخ بهذا الميل ثلاثة أميال ومنهم من يجعل الميل ثلاثة آلاف ذراع والفرسخ أربعة أميال وكلاهما يؤولان إلى شيء واحد وفيما ذكرناه من مقدار حصة الدرجة من الأميال تنازع فمنهم من رأى أن ذلك سبعة وثمانون ميلاً ومنهم من رأى ذلك ستة وخمسون ميلاً وثلثي ميل والمعول في ذلك على ما حكيناه عن والأرض من أربعة جواهر من الرمل والطين والأحجار والأملاح وجوفها أطباق يتخرق فيها الهواء ويجول فيها الماء مواصلاً لها كمواصلة الدم للجسد فما غلب عليه الهواء من الماء كان عذباً شروباً وما امتنع الهواء من التمكن منه وغلبت عليه أملاح الأرض وسبخها صار ملحاً أجاجاً وأن كون مياه العيون والأنهار في الأرضين كالعروق في البدن وأن الحكمة في كون الأرض كريةالشكل إنها لو كانت مسطوحة كلها لا غور فيها ولا نشز يخرقها لم يكن النبات وكانت مياه البحار سائحة على وجهها فلم يكن الزرع ولم يكن لها غدران تفضي مياه السيول إليها ولا كانت لها عيون تجري تنبع بالماء أبداً لأن مياه العيون لو كانت منها تخرج دائماً لفنيت ولصار الماء أبداً غالباً على وجه الأرض فكان يهلك الحيوان ولا يكون زرع ولا نبات فجعل عز وجل منها أنجاداً ومنها أغواراً ومنها أنشازاً ومنها مستوية وأما أنشازها فمنها الجبال الشامخة ومنافعها ظاهرة في قوة تحدر السيول منها فتنتهي إلى الأرضين البعيدة بقوة جريها ولتقبل الثلوج فتحفظها إلى أن تنقطع مياه الأمطار وتذيبها الشمس فيقوم ما يتحلب منها مقام الأمطار ولتكون الآكام والجبال في الأرض حواشر للمياه لتجري من تحتها ومن شعوبها وأوديتها فيكون منها العيون الغزيرة ليعتصم بها الحيوان ويتخذها مأوى ومسكناً ولتكون مقاطع ومعاقل وحواجز بين الأرضين من غلبة مياه الأمطار عليها وما لا يحصيه إلا خالقها قال المسعودي‏:‏ وقد تختلف قوى الأرضين وفعلها في الأبدان لثلاثة أسباب كمية المياه التي فيها وكمية الأشجار ومقدار ارتفاعها وانخفاضها فالأرض التي فيها مياه كثيرة ترطب الأبدان والأرض العادمة للمياه تجففها‏.‏

وأما اختلاف قوتها من قبل الأشجار فإن الأرض الكثيرة الأشجار الأشجار التي فيها تقوم لها مقام السترة فبهذا السبب تسخن‏.‏

والأرض المكشوفة من الأشجار العادمة لها حالها عكس حال الأرض الكثيرة الأشجار وأما اختلاف قواها من قبل مقدار علوها وانخفاضها فلأن الأرض العالية المشرفة فسيحة باردة والأرض المنخفضة العميقة حارة ومدة‏.‏

ومنهم من رأى أن أصناف اختلاف البلدان أربعة أولها النواحي والثاني الارتفاع والانخفاض والثالث مجاورة الجبال والبحار لها والرابع طبيعة تربة الأرض وذلك أن ارتفاعها يجعلها أبرد وانخفاضها يجعلها أسخن على ما قدمنا‏.‏

وأما اختلافها من جهة مجاورة الجبال لها فمتى كان الجبل من البلد من ناحية الجنوب جعله أبرد لأنه يكون سبب امتناع الريح الجنوبية وإنما تهب فيه الشمالية فقط‏.‏

ومتى ما كان الجبل من البلد من ناحية الشمال جعله أسخن لامتناع هبوب الرياح الشمالية فيه وأما اختلافها لمجاورة البحار لها فمتى كان البحر من البلد في ناحية الجنوب كان ذلك البلد أسخن وأرأرطب وإن كان من البلد في ناحية الشمال كان ذلك البلد أبرد وأيبس‏.‏

وأما اختلافها بحسب طبيعة تربتها فمتى كانت تربة الأرض صخرية جعلت ذلك البلد أبرد وأجف وإن كانت تربة البلد جصية جعلته أسخن وأجف وإن كانت طينية جعلته أبرد وأرطب وبقاع الأرض مختلفة بحسب اختلاف الطبائع وما تؤثره فيها الأجسام السمائية من النيرين وغيرهما فغلب طبع كل أرض على ساكنها كما نشاهد الحرار السود والأغوار وحشها إلى السواد ووحش الرمال البيض على ذلك اللون فإن كانت الرمال أحمر فوحشها عفر وهو لون التراب وكذلك وحش الجبال من الأراوي وغيرها يكون على ألوان تلك الجبال إن حمراً وإن بيضاً وإن سوداً‏.‏

وعلى هذا السبيل تكون القملة في الشعر الأسود سوداء وفي الشعر الأبيض بيضاء وفي المشيب شهباء وفي الأحمر حمراء ومن الفلكيين من يرى أن كل جزء من أجزاء الأرض يناسب جزء من أجزاء الفلك ويغلب عليه طباعه لأن في أجزاء الفلك المضيء والمظلم والفصيح والأخرس وذا الأصوات والمجوف وغير ذلك من نعوت الدرج فلذلك يكون كلام أهل الموضع الواحد مختلفاً على قدر ما تصلح فيه السعود وتفسد فيه النحوس ثم يختلف أهل اللسان الواحد في المنطق واللهجات قال المسعودي‏:‏ وقد ذم أبطلميوس القلوذي آراء كثير ممن تقدمه ممن عني بعلم معمور الأرض وغايات ذلك ونهاياته مثل مارينوس وأبرخس وطيمستانس وغيرهم في قبول أقاويل المخبرين من التجار وغيرهم من نهاية المعمور وأن ذلك قد يدخله الكذب والزيادة والنقصان فيما أخبروا به من وصولهم إلى هذه المواضع النائية والعمائر القاصية في البر والبحر ثم اضطر أبطلميوس لما أراد علم ذلك والوقوف عليه إلى أن يستعمل ما أنكره على من ذكرنا من جهة الخبر فبعث بثقات من رسله في الآفاق ليعرف الغابات من عمران الأرض المسكونة فعمل على أخبارهم مقايساً بها ما وجده بالدلائل النجومية وهذا دخول منه فيما أنكره وقد ذكر في كتابه المترجم بمسكون الأرض بلداناً ومدائن كثيرة ووصف أطوالها وعروضها ورسم للناس صورة معمور الأرض على ما رسم فيها من مواضع الكور والبحار والأنهار في الطول والعرض وقد قال أرسطاطاليس في المقالة الثانية من كتابه في الآثار العلوية لقد أعجب من الذين يصورون أقطار الأرض وأبعادها فإنهم يصورون الأرض المعمورة مستديرة والقياس والعيان يشهدان على أنها على خلاف ذلك وأنه لا يمكن أن يكون ذلك أما القياس فيثبت أن عرض الأرض محدود وأن طولها ليس بمحدود أعني أن طول الأرض كله يمكن أن يسكن لحال مزاجه وذلك أن الحر والبرد لا يكونان مفرطين في طول الأرض لكن في عرضها ولو لم يكن البحر يمنع لكان طول الأرض كله مسلوكاً قال والعيان يشهد أيضاً قال المسعودي وقد ذكرنا في كتاب فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف ما ذهبت إليه الفرس والنبط في قسمة المعمور من الأرض وتسميتهم مشارق الأرض وما قارب ذلك من مملكتها خراسان وخر‏:‏ الشمس فأضافوا مواضع المطلع إليها والجهة الثانية وهي المغرب خربران وهو مغيب الشمس والجهة الثالثة وهي الشمال بأخترا والجهة الرابعة وهي الجنوب نيمروز وهذه ألفاظ يتفق عليها الفرس والسريانيون وهم النبط وما ذهب إليه اليونانيون والروم في قسمة المعمور من الأرض على ثلاثة أجزاء وهي أورفا ولوبية وآسية وغير ذلك من كلام سائر الأمم في هذه المعاني فلنقل الآن في الأقاليم وصفتها وما قيل في قسمتها وغير ذلك‏.‏

ذكر الأقاليم السبعة وقسمتها وحدودها وما قيل في طولها وعرضها وما اتصل بذلك كل ما كان من الأرض معموراً فهو مقسوم بسبعة أقسام يسمي كل قسم منها إقليماً وقد تنازع من عني من حكماء الأمم وفلاسفتهم بعلم الهندسة ومساحة الأرض في هذه الأقاليم السبعة أفي الشمال والجنوب أم في الشمال دون الجنوب فذهب الأكثرون إلى أن ذلك في الشمال دون الجنوب لكثرة العمارة في الشمال وقلتها في الجنوب ورأى قوم أن القدماء إنما قصدوا لقسمة الأقاليم السبعة في الجانب الشمالي من خط معدل النهار ولم يقسموا في الجنوب شيئاً لقلة قدر العمارة في الجنوب عن الخط وذهب هرمس في متبعيه من المصريين وغيرهم إلى أن في الجنوب سبعة أقاليم كما هي في الشمال وكان يجعل قسمة أقاليم العمران من الشمال مدورة فيجعل الإقليم الرابع وهو إقليم بابل واسطاً لها وستة دائرة حوله وإن كل إقليم سبعمائة فرسخ في مثله فالإقليم الأول الهند والثاني الحجاز والحبشة والثالث مصر وإفريقية الرابع بابل والعراق والخامس الروم والسادس يأجوج ومأجوج والسابع يوماريس والصين ويبتدئ جميعها من المشرق مما يمر ببلاد الصين وغيرها فحد الإقليم الأول البحر مما يلي المشرق والثاني البحر مما يلي الحجاز والثالث الديبل من ساحل المنصورة من أرض السند والرابع حد الإقليم السابع مما يلي الصين أطول ساعات نهاره ثلاثة عشرة ساعة وحد الإقليم الثاني البحر مما يلي عمان إلى الشحر والأحقاف إلى عدن أبين إلى جزائر الزنج والحبشان وأطول ساعات نهاره ثلاث عشرة ساعة نصف وحد الإقليم الثالث وينتهي إلى أرض الحبشة مما يلي الحجاز إلى بحر الشأم الذي بين مصر وأرض الشام إلى وسط البحر الذي يلي الأندلس مما يلي المغرب أطول ساعات نهاره أربع عشرة ساعة‏.‏

وحد الإقليم الرابع الثعلبية والثاني وسط نهر بلخ والثالث خلف نصيبين باثني عشر فرسخاً من ناحية سنجار والرابع وراء الديبل من ساحل المنصورة من بلاد السند بستة فراسخ أطول ساعات نهاره أربع عشرة ساعة ونصف ساعة وحد الإقليم الخامس بحر الشام إلى أقصى أرض الروم مما يلي البحر إلى تراقية وبلاد برجان والصقالبة والأبر إلى حد أرض يأجوج ومأجوج إلى حد الإقليم الرابع مما يلي نصبين أطول ساعات نهاره خمس عشرة ساعة إلى حد الاقليم السادس من الصين إلى حد الإقليم الخامس إلى البحر مما يلي المشرق أطول ساعات نهاره خمس عشرة ساعة ونصف وحد الإقليم السابع أرض الهند إلى حد الإقليم الرابع إلى حد الإقليم السادس إلى البحر أطول ساعات نهاره ست عشرة ساعة وفي كتاب مارينوس أن مساحة هذه الأقاليم في الطول ثمانية وثلاثون ألفاً وخمسمائة فرسخ في عرض ألف فرسخ وسبعمائة وخمسة وسبعين فرسخاً وقد أنكر ذلك على مارينوس جماعة ممن تقدم وتأخر قال المسعودي‏:‏ بين الأسلاف والأخلاف من حكماء الأمم في مقادير هذه الأقاليم السبعة وأطوالها وعروضها وعدد ساعاتها وابتدائها وغاياتها وما فيها من مساكن الأمم في البر والبحر تنازع كثير وقد أتينا على شرح كثير من ذلك فيما تقدم من كتبنا‏.‏

ورأيت هذه الأقاليم مصورة في غير كتاب بأنواع الأصباغ‏.‏

وأحسن ما رأيت من ذلك في كتاب جغرافيا لمارينوس وتفسير جغرافيا قطع الأرض وفي الصورة المأمونية التي عملت للمأمون اجتمع على صنعتها عدة من حكماء أهل عصره صورة فيها العالم بأفلاكه ونجومه وبره وبحره وعامره وغامره ومساكن الأمم والمدن وغير ذلك وهي أحسن مما تقدمها من جغرافيا أبطلميوس وجغرافيا مارينوس وغيرها ذكر قسمة الأقاليم على الكواكب السبعة الخمسة والنيرين قسموا هذه الأقاليم بين الكواكب السبعة على قدر تواليها وتتابعها في الفلك‏.‏

فالإقليم الأول لزحل وهو كيوان بالفارسية له من البروج الجدي والدلو الإقليم الثاني للمشتري وهو بالفارسية أورمزد له من البروج القوس والحوت‏.‏

الإقليم الثالث للمريخ وهو بالفارسية بهرام له من البروج الحمل والعقرب‏.‏

الإقليم الرابع للشمس وهو بالفارسية خرشاد ومن أسمائها آقتاب لها من البروج الأسد‏.‏

الإقليم الخامس للزهرة وهي بالفارسية أناهيد لها من البروج الثور والميزان‏.‏

الإقليم السادس لعطارد وهو بالفارسية تير له من البروج الجوزاء والسنبلة‏.‏

الإقليم السابع للقمر وهو بالفارسية ماه له من البروج السرطان واسم الإقليم بالفارسية كشور واسم الفلك إسبهر وذلك بالفارسية الأولى وبهذه الفارسية حايدان قال المسعودي‏:‏ وفيما حكيناه تنازع بين حكماء الأمم من الفرس واليونانيين والروم والهند والكلدانيين وغيرهم والأشهر ما ذكرناه وقد أتينا على شرح ذلك فيما سلف من كتبنا وكذلك ما تنازعوا فيه من اشتراك البروج الاثني عشر في الأقاليم السبعة وخاصة الكواكب السبعة في الآراء والملل والنواحي والآفاق وغير ذلك‏.‏

قال المسعودي‏:‏ ونحن ذاكرون الإقليم الرابع وما بان به عن سائر الأقاليم وجلالة صقعه وشرف محله إذ كان به مولدنا وفه منشؤنا وكنا أولى الناس بتقريظه والإبانة عن شرفه وفضله وإن كان ذلك أشهر من أن يحتاج فيه إلى إطناب ولا يحويه لعظمه كتاب‏.‏